التناص في شعر أبي الحسن الباخرزي

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

کلية الآداب - جامعة قناة السويس

المستخلص

يُعتبر التناصّ (Intertextuality) من أبرز الآليات التي تسهم في مقاربة النص الشعريّ في الدرس النقديّ الحديث. وللتراث الدينيّ أهمية خاصّة؛ لکونه من العناصر الأساسية التي تشکل المد الثقافي في الحفاظ على الهوية العربية والإسلامية، فکان القرآن الکريم والحديث النبويّ الشريف من الروافد التي نهل منها الباخرزيّ.     
والتناصُّ القرآنيّواضح في شعر الباخرزيّ، من خلال التناص الإشاري الرمزي، الذي يُعدُّ من وسائل توسيع النص وتکثيف المعنى، إذ إن الرمز نوع من الوسائل التي يدرک بها الشاعر ما فاته من معانٍ قد لا يتسع النص لاحتوائها، فيوظفها دعمًا لرأيه وبلوغ قصده. وقد ينتزع الشاعر الآية من سياقها القرآنيّ ليضعها في سياقه الشعريّ للدلالة على ما يريد أن يعبر عنه.
ولم يقف التناص القرآني عند غرض بعينه بل امتد ليشمل کل فنون الشعر عنده، من فخر ومدح، وعتاب، وهجاء، وغزل، ووصف، ومجون وخمر، مما يکشف مدى حفظه واستيعابه للقرآن الکريم، وأن النص القرآني کان رکيزة من رکائز العمل الفني في الأداء الشعري عنده، حتى وهو في مجلس الشراب؛ فيقتبس التعبير القرآني (حتى يلج الجملُ في سَم الخياط) الذي يدل على استحالة دخول من کذبوا بآيات الله عز وجل الجنةَ؛ ومع استبداله الفيل بالجمل، واستبداله التوقف عن الشراب في مجلس الخمر بدخول الجنة، نجد المفارقة بين السياق القرآنيّ الذي يشير إلى عقاب المکذبين بآيات الله، والسياق الشعريّ الذي يشير إلى استحالة التوقف عن شرب الخمر. وفي بعض الأحيان يستلهم الباخرزيّ القرآن الکريم دون اقتباسٍ مباشر؛ وإنما من خلال الإيحاء بالمعنى.
وعنده أيضا التناصّ مع الحديث الشريف: حيثيعد الحديث الشريف من أبرز المصادر الدينية التي يستند إليها الباخرزيّ في أشعاره، فنجده في الکثير من قصائده يقتبس منه أو يشير إليه بصورة مباشرة، استخدم الشاعر الحديث عن عيد الفطر في باب الغزل، فهو يتغزل في محبوبته ويقول إنها أغلى شيء؛ فعليها أن تتصدق بفيها عليه فهو صاع من الدُّر، وقد استوحى الباخرزي في ذلک حديث الرسول في صدقة الفطر؛ ومن هنا، يمکن القول إن الباخرزيّ تأثر بالقرآن الکريم والحديث الشريف بصورة کبيرة.