إجراءات حکومة الوحدة تجاه الجيش السوري "التطهير السياسي والدمج مع الجيش المصري" 1958- 1961 في ضوء تقارير القنصلية الأمريکية بدمشق

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

کلية الآداب ـــــ جامعة المنصورة

المستخلص

مَثَّل الجيش السوري حالة خاصة بين الجيوش العربية من حيث نشأته وتکوينه وسلوکه السياسي، مما جعله محورًا مهمًّا في الحياة السياسية السورية، ورقمًا صعبًا لا يمکن تجاوزه لکل من أراد فرض هيمنته على البلاد.
ولما کان جمال عبد الناصر يدرک حقيقة أوضاع هذا الجيش جيدًا؛ فقد مَثَّلت السيطرة عليه وإبعاده عن العمل السياسي أحد أهم أولوياته للحفاظ على الوحدة، وهو ما عبَّر عنه بوضوح خلال مفاوضات الوحدة مع الضباط السوريين، حين وضع في مقدمة شروطه للقبول بالوحدة؛ حل الأحزاب، وتنحية الضباط ذوي الانتماءات السياسية من الجيش بهدف إبعادهم عن مصدر قوتهم.
ولتحقيق هذه السيطرة اتخذت سلطات الوحدة إجراءات تهدف إلى دمج الجيشين المصري والسوري، وهو ما تطلب في البداية ضرورة تطهير الجيش السوري من الضباط ذوي الانتماءات السياسية وغيرهم ممن لم يؤيدوا الوحدة، وتحويله إلى جيش احترافي على نمط الجيش المصري.
ومن هنا تأتي أهمية هذه الدراسة التي سترکز على الأوضاع غير المهنية للجيش السوري ــــ الجيش الأول ــــ في ظل الوحدة، وذلک من خلال تقارير القنصلية الأمريکية في دمشق، التي أولت اهتمامًا خاصًّا بالجيش السوري([i])، في إطار السياسة الأمريکية القائمة على التصدي للتحرکات السوفيتية والمد القومي في المنطقة، وبخاصةً بعد أن عجز الحلفاء الإقليميين والدوليين عن تحقيق هذا الهدف وقيام الوحدة المصرية السورية([ii]).
 
وتحاول هذه الدراسة الإجابة عن عدة تساؤلات هي:
-       هل کان لطبيعة نشأة الجيش السوري وتکوينه أثر على سلوکه السياسي، وإلى أي مدى کان فاعلاً على الساحة السياسية قبل الوحدة؟
-       ما هي إجراءات التطهير السياسي في الجيش السوري، وإجراءات دمجه مع الجيش المصري، وما مدى نجاحها؟
-       ما هو وضع القوات غير النظامية، وکيف تم التعامل معها؟
-       هل کان للتطهير السياسي أثر على نجاح إجراءات دمج الجيشين؟
-       ما أثر الإجراءات التي اتُّخِذت حيال الجيش على الضباط السوريين؟
-       إلى أي مدى نجحت إجراءات السلطة في الحفاظ على الوحدة؟


 وخلصت نتائج البحث الى الآتى:
([i])     يعود هذا الاهتمام إلى اعتبار الجيش أداة الهيمنة على البلاد والقوة التي يمکنها الحفاظ على انحياز سوريا للمعسکر الغربي، فتابعت بتوجس الانقلابات العسکرية في سوريا، بل وشارکت في بعضها قبل الوحدة، ثم اتسع نطاق متابعتها لمختلف التطورات بعد الوحدة عبر عدة تقارير؛ منها التقرير رقم 51 في 30 أغسطس 1960، وفي نقلة نوعية قدمت إدارة الاستخبارات والأبحاث بوزارة الخارجية تقريرًا في 11 مارس 1960؛ شمل کافة المعلومات المتاحة حول سوريا في ظل الوحدة إداريًا وسياسيًا وعسکريًا واقتصاديًا، إضافة إلى العلاقات الخارجية مع القوى الإقليمية والدولية، مع نظرة تحليلية حول مستقبل الوحدة.
          ثم عمل القنصل الأمريکي في دمشق على توسيع نطاق علاقاته واتصالاته للحصول على معلومات جديدة، رداً على الدراسة السرية التي أعدها ضباط مخابرات مسيحيين في الجيش اللبناني في 16 يناير1961حول أوضاع سوريا في ظل الوحدة بشکل عام وأوضاع الجيش بشکل خاص؛ وکانت المحصلة تقريرًا تفصيليًا في 19 أبريل 1961 حول أوضاع الجيش السوري غير المهنية، وضعه أمام صناع القرار في واشنطن للاستفادة منه إذا ما تقرر إنهاء الوحدة المصرية السورية، وحرص في مقدمته على الإشارة إلى أنه لن يتعرض للقضايا المهنية الخاصة بالجيش، لصعوبة الحصول على معلومات بشأنها؛ نتيجة امتناع العسکريين السوريين عن الاتصال به بسبب السرية المفروضة على الأنشطة العسکرية، وقناعة السوريين بأن الولايات المتحدة هي الحليف الأول لإسرائيل، وهو ما دفعه إلى عدم التحدث بشکل علني في الشئون العسکرية، والاعتماد في جمع المعلومات المتعلقة بالعسکريين على التقارير الرسمية المنشورة ، إضافة إلى اتصالات رجال القنصلية مع عدد من أصدقائهم السوريين.
([ii]) اتسع نطاق الاستراتيجية الأمريکية في المنطقة عام 1956؛ ليشمل العمل على استمالة مصر أو تحجيم دورها باعتبارها أحد أهم العقبات في تحقيق الهيمنة الأمريکية، وبات واضحاً أمام صانع القرار الأمريکي أن إفشال المحور المصري السوري، والقضاء على العناصر اليسارية في الجيش السوري لن يتحقق إلا من خلال انقلاب عسکري، إلا أن وقوع العدوان الثلاثي في 29 أکتوبر 1956 أفشل المخطط قبل يومين من تنفيذه.


محمد حسنين هيکل، حرب الثلاثين سنة 1967، ج1، سنوات الغليان، ط1، القاهرة، مرکز الأهرام للترجمة والنشر،1988، صـ 73.
کما أفشلت المخابرات السورية برئاسة عبد الحميد السراج انقلابًا جديدًا رتبت له المخابرات المرکزية، وأعلنت إذاعة دمشق تفاصيله قبل موعده بأيام في 12 أغسطس 1957، مما أدى إلى طرد البعثة الدبلوماسية الأمريکية من دمشق، قبل إعادتها في العام نفسه نتيجة توافقات صلاح البيطار مع الولايات المتحدة.
بشير زين الدين، الجيش والسياسة في سوريا 1918-2000 " دراسة نقدية"، لندن، دار الجابية، 2008، صـ271، 278.   


خَلُصَت هذه الدراسة إلى عدة نتائج، هي:
-         إن النشأة المشوهة للجيش في ظل الاستعمار الفرنسي؛ کانت ذات أثر کبير على سلوکه ودوره السياسي في تحديد صورة البلاد ومستقبلها، وهو ما دعا کثيرًا من القوى الإقليمية والدولية إلى استغلاله لتحقيق أهدافها في سوريا.
-         إدراک جمال عبد الناصر لأهمية الجيش السوري وخطورة دوره السياسي على نجاح الوحدة واستقرارها، وأن السيطرة عليه کهدف رئيس يتطلب؛ تطهيره سياسيًا بإبعاد الضباط المنتمين إلى الکتل والأحزاب المختلفة، واتخاذ إجراءات لدمجه مع الجيش المصري، وهي شروط سبق أن وضعها أمام الضباط السوريين لإتمام الوحدة.
-         إن إجراءات التطهير والدمج سارت بشکل متوازٍ، وبدأت تدريجيًا بعد إقرار الوحدة رسميًا في مارس 1958 واستمرت حتى عام 1961؛ وکان ضحيتها ضباطًا ينتمون إلى مختلف الاتجاهات السياسية والقومية والمذهبية السورية، وشملت التقاعد الإجباري، والنقل المتکرر إلى مختلف المناطق والأفرع العسکرية، والندب إلى الجيش الثاني في مصر، إضافة إلى التعيين في مناصب مدنية، وهي وسائل تحددت في الأساس وفقًا للانتماء السياسي للضباط ودرجة ولائهم لسلطة الوحدة.
-         نجاح إجراءات التطهير السياسي والدمج التي اتخذتها حکومة الوحدة إلى حد کبير، ولکنه ظل نجاحًا غير کامل وبخاصة مع ما ترتب على تلک الإجراءات من سلبيات أبرزها؛ التزايد الواضح للضباط المصريين في الجيش الأول وسيطرتهم على کثير من مراکزه المهمة، وانخفاض الروح المعنوية للعسکريين السوريين، إضافة إلى تحول الأحزاب والقوى السياسية إلى العمل السري ومن ثم تقويض أسس الوحدة.
-         وُجهت إجراءات التطهير والدمج في الأساس إلى القوات النظامية، أما القوات غير النظامية ممثلة في المقاومة الشعبية والفتوة؛ فقد تم توفيق أوضاعها وتحديد مسئولياتها فقط.